نجاحات تجارية باهرة، وسيطرة عالمية، أثارت غيرة الجميع بلا استثناء، ولكن هل كان الأمر معقّداً، ولماذا حتى العمالقة تعاني لتصل لنجاحات شات جي بي تي؟
ما الذي يتطلبه الأمر فعلاً، ولماذا لم يقم به أحد من قبل، وكيف يمكننا البدء من حيث انتهى شات جي بي تي.
المحاور الرئيسية:
نجاحات ChatGPT: السيطرة العالمية واحتكار السوق
يجب أن لا ننسى أن ChatGPT جاء كثمرة عمل مضني منذ العام 2015 إلى العام 2022, سنوات من البحث المكثف والاستثمار الكبير في مجال الذكاء الاصطناعي.
هذا النموذج أثبت قدرته على التفاعل مع المستخدمين بشكل طبيعي وتقديم إجابات دقيقة ومفيدة على نطاق واسع من المواضيع.
وهذا الإنجاز قاد الشركة المطورة له واسمها OpenAI لنجاحات تجارية هائلة وسيطرة على السوق، حيث أصبح ChatGPT يستخدم من قبل ملايين الأشخاص حول العالم، سواء لأغراض شخصية أو مهنية خلال أشهر معدودة.
حقائق وأرقام حول شات جي بي تي:
- استغرق الأمر من ChatGPT خمسة أيام للوصول إلى مليون مستخدم وشهرين للوصول إلى 100 مليون مستخدم.
- اعتبارًا من أغسطس 2023، كان هناك ما يقرب من 180.5 مليون مستخدم لـ ChatGPT.
- أكثر من 2 مليون مطور يستخدمون واجهة برمجة تطبيقات ChatGPT.
- شهد ChatGPT حوالي 1.6 مليار زيارة شهرية إجمالية في فبراير 2024، استغرقت كل منها أقل بقليل من 8 دقائق في المتوسط.
- حوالي 85.64٪ من زيارات ChatGPT عبارة عن حركة مرور مباشرة، بينما 13.12٪ من حركة مرور ChatGPT عبارة عن حركة بحثorganic أي غير مأجورة.
- ما يقرب من 50٪ من القراء لا يستطيعون التمييز بين المحتوى المكتوب لـ ChatGPT والكتابة البشرية.
المزيد من الاحصائيات تجدونها هنا.
السيطرة العالمية والآثار السياسية والاقتصادية
الانتشار الواسع لـ ChatGPT لم يكن مجرد نجاح تجاري، بل أصبح له أبعاد سياسية واقتصادية وهذا أمر متوقع مسبقاً لو نظرنا لعمالقة التكنلوجيا السابقين.
شركة OpenAI تمكّنت من التأثير على قطاعات كاملة في لمح البصر، بدءًا من التعليم وصولًا إلى الخدمات المالية، مما جعل الحكومات والشركات تعيد تقييم استراتيجياتها المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.
السيطرة على مثل هذا النوع من التكنولوجيا يمنح OpenAI تأثيرًا كبيرًا على الاتجاهات العالمية في التكنولوجيا والاقتصاد، ويطرح تحديات على السياسات العامة المتعلقة بالخصوصية والأمن.
اليوم أصبحت ChatGPT أداة لا غنى عنها للشركات في مجالات متعددة مثل خدمة العملاء، إنشاء المحتوى، وتحليل البيانات، مما أثّر على استراتيجيات المنافسين وجعلهم يسعون جاهدين للحاق بها.
بمعنى آخر الاحتكار هو نعمة للمنافس، لأنه يحفز العميل على تجريب شيء مختلف بدلاً من الانصياع للمصدر الواحد كنوع مع إدارة المخاطر.
سبب صعود الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الأخيرة
لماذا هذه السنوات، لماذا لم يرتق سابقاً الذكاء الاصطناعي التوليدي Generative AI كما نراه اليوم رغم توفّر العلوم الحديثة والرياضيات والخوارزميات منذ سنوات وتدرّس في الجامعات.
الإجابة تعود إلى ثلاث عوامل رئيسية:
تقدّم في المعالجة الحسابية:
شهدت وحدات معالجة الرسومات (GPUs) تحسينات كبيرة في القدرة على معالجة البيانات، مما سمح بتدريب نماذج ذكاء اصطناعي أكبر وأعقد.
هذا التقدم كان له دور محوري في تمكين نماذج مثل ChatGPT من الوصول إلى مستوى الأداء العالي الذي نراه اليوم.
زيادة توفّر البيانات:
أصبح توفّر البيانات الضخمة (Big Data) أمرًا شائعًا بفضل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. هذه البيانات هي “الوقود” الذي يساعد في تدريب النماذج الكبيرة مثل ChatGPT.
يدعم ذلك التحول الرقمي والرقمنة للكثير من القطاعات مما ينقل البيانات الشخصية وما يتعلق بها للشكل الرقمي بدل الورقي.
التمويل الضخم:
ساعدت الاستثمارات الكبيرة من قبل الشركات العملاقة مثل Google وMicrosoft، إضافة إلى تمويل المشاريع الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، في تسريع الأبحاث وتطبيقاتها التجارية.
طبعاً العوامل الثلاثة الماضية تتفاعل مع بعضها وليست مستقلة، فالتطور يحتاج تمويل، وشهية التمويل ترتفع بالتطور، والرقمية تحتاج تطور وتمويل، وهكذا.
قيمة OpenAI التجارية اليوم
تقدّر قيمة OpenAI المطورة لتطبيق شات جي بي تي اليوم بمليارات الدولارات، حيث أنها ليست فقط مطور ChatGPT، بل هي أيضًا مبتكر لمجموعة من الأدوات والخدمات التي تُستخدم على نطاق واسع في الصناعات المختلفة.
حسب التقديرات الأخيرة، تقدر قيمة OpenAI بحوالي 29 مليار دولار بعد جولة تمويلية حديثة قادتها Microsoft.
تأتي هذه القيمة نتيجة للنجاح الكبير الذي حققته منتجات الشركة مثل ChatGPT، بالإضافة إلى الاستثمارات الكبيرة التي ضختها شركات تكنولوجيا عملاقة مثل Microsoft.
مسيرة OpenAI: من التأسيس إلى السيطرة العالمية
التأسيس:
تأسست OpenAI في عام 2015 كمؤسسة غير ربحية تهدف إلى تطوير الذكاء الاصطناعي بطريقة تفيد البشرية ككل.
في البداية، كانت الشركة تركز على الأبحاث النقية، ولكن مع مرور الوقت، أدركت أهمية تحويل هذه الأبحاث إلى منتجات تجارية.
اليوم، OpenAI هي واحدة من الشركات القليلة التي تمكنت من تحويل الذكاء الاصطناعي إلى أداة تجارية مؤثرة على مستوى عالمي.
التقلبات الإدارية والتمويلية لشركة OpenAI:
OpenAI، منذ تأسيسها في عام 2015، شهدت العديد من التقلبات الإدارية والتمويلية التي شكلت مسارها كشركة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي.
التأسيس والتوجه الأولي:
تم تأسيس OpenAI في ديسمبر 2015 كمنظمة غير ربحية تهدف إلى تطوير الذكاء الاصطناعي بطريقة آمنة ومفيدة للبشرية.
في البداية، كانت OpenAI منظمة بحثية تعتمد على التمويل من مؤسسيها ومنظمات داعمة بهدف تطوير أبحاث الذكاء الاصطناعي ونشرها بشكل مفتوح. شارك في تأسيسها عدد من الشخصيات البارزة مثل إيلون ماسك وسام ألتمان وريد هوفمان، مع التزام أولي بتمويل يصل إلى مليار دولار.
التحول إلى نموذج الربح المحدود:
في عام 2019، أعلنت OpenAI عن تغيير جذري في نموذج عملها، حيث تحولت إلى كيان ربح محدود (Capped-Profit Entity) يعرف باسم OpenAI LP.
هذا التحول جاء بعد إدراك الحاجة إلى تمويل أكبر لدعم أبحاث الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
وفقًا لهذا النموذج، يُسمح للمستثمرين بالحصول على عائد محدود على استثماراتهم (حوالي 100 ضعف الاستثمار الأولي)، بينما تبقى المهمة الأساسية للمنظمة هي خدمة البشرية.
هذه الخطوة فتحت الباب أمام الاستثمارات التجارية الكبيرة، خاصة من شركات مثل Microsoft، التي استثمرت حوالي مليار دولار في OpenAI لدعم تطوير النماذج الذكية الكبيرة مثل GPT-3.
الشراكة مع Microsoft:
كانت الشراكة مع Microsoft واحدة من أهم الأحداث في مسيرة OpenAI.
في عام 2019، أعلنت الشركتان عن اتفاقية استراتيجية، حيث وفرت Microsoft التمويل السحابي لـ OpenAI عبر خدمات Azure.
هذه الشراكة مكنت OpenAI من الاستفادة من القدرات الحاسوبية الضخمة التي توفرها Azure، مما ساعدها على تدريب نماذجها الكبيرة وتحقيق قفزات نوعية في مجالات الذكاء الاصطناعي.
توسعت هذه الشراكة لاحقًا في عام 2020 لتشمل استثمارات إضافية، مما جعل Microsoft الشريك الاستراتيجي الأساسي لـ OpenAI.
تغيير الهيكل الإداري وتوسع المهام:
خلال السنوات الأخيرة، شهدت OpenAI تغييرات إدارية مهمة، مع تصاعد دور سام ألتمان كرئيس تنفيذي للشركة.
تحت قيادته، توسعت الشركة في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي ونماذج التعلم العميق.
رغم خروج بعض المؤسسين مثل إيلون ماسك في وقت مبكر لأسباب متعلقة بالاستراتيجية والرؤية، استمرت OpenAI في النمو وجذب أفضل المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي.
هذه التغييرات الإدارية كانت حاسمة في توجيه OpenAI نحو تطوير منتجات تجارية مثل ChatGPT وDALL-E، التي حققت نجاحات كبيرة في السوق.
التحديات والانتقادات:
رغم النجاحات الكبيرة، واجهت OpenAI انتقادات حول تحولات نموذج العمل والتمويل.
بعض النقاد أشاروا إلى أن التحول إلى نموذج الربح المحدود يمكن أن يتعارض مع الهدف الأساسي الذي تم إنشاء OpenAI من أجله.
كما أن بعض التحديات المتعلقة بالشفافية والأخلاقيات في استخدام الذكاء الاصطناعي قد ظهرت في السنوات الأخيرة، مما دفع OpenAI إلى زيادة تركيزها على الأبحاث المتعلقة بالأمان والأخلاقيات في الذكاء الاصطناعي.
لماذا لم يصل الكثير من المنافسون إلى مستوى ChatGPT؟
على الرغم من المحاولات المستمرة من قبل عمالقة التكنولوجيا لتطوير نماذج مشابهة، إلا أنهم لم يصلوا بعد إلى مستوى ChatGPT.
الأسباب تشمل:
- البداية المبكرة لـ OpenAI: بدأت OpenAI في تطوير نماذج اللغة الكبيرة قبل معظم الشركات الأخرى، مما أعطاها ميزة تنافسية كبيرة.
- التركيز على الأبحاث: OpenAI ركزت بشكل كبير على الأبحاث والتطوير دون الالتفات بشكل كامل إلى الأرباح التجارية في البداية، مما سمح لها بالتفوق في هذا المجال.
- الشراكات الاستراتيجية: شراكة OpenAI مع Microsoft كانت محورية، حيث وفرت لها الموارد الحسابية الهائلة اللازمة لتدريب نماذجها الكبيرة، مثل Azure cloud.
ما هي صعوبة خلق منافس لـ ChatGPT؟
إنشاء منافس حقيقي لـ ChatGPT يتطلب موارد ضخمة على عدة مستويات:
الزمن:
يستغرق تطوير نموذج ذكاء اصطناعي عالي الأداء سنوات من البحث والتطوير. OpenAI استثمرت في هذا المجال منذ عقد.
ربما الدخول بمشاريع ومبادرات مفتوحة المصدر، مع البدء من حيث انتهى شات جي بي تي سيكون حلاً لتقليص الوقت ولكن بنسبة ما.
التكلفة:
تكلفة تطوير وتدريب نموذج مثل ChatGPT يمكن أن تصل إلى مئات الملايين من الدولارات, هذا يشمل تكاليف الطاقة الحسابية، الرواتب، والبيانات.
وهنا يحتاج الأمر دعم حكومي أو خاص من شركات عملاقة، وعليه يمكن بناء استراتيجية للوصول إلى رؤوس أموال ضخمة بعد حين.
التقنية:
يتطلب إنشاء منافس لـ ChatGPT فرقًا من العلماء والمهندسين ذوي الخبرة العالية في الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى الوصول إلى أحدث التقنيات في مجال الحوسبة والمعالجة الحسابية.
في عاملنا العربي، يوجد العديد من المتخصصين والخبراء، وكل ما يلزم هو المبادرة بشكل جاد.
البنية التحتية:
تتطلب مثل هذه النماذج بنية تحتية قوية من الخوادم ووحدات معالجة الرسومات (GPUs) المتقدمة التي يمكنها التعامل مع كميات ضخمة من البيانات بشكل فعال.
وهنا نجد العالم أجمع منصاع لإرادة الشركات المطورة لوحدات الـ GPU مثل شركة NVIDIA وشركة IBM.
الموارد اللازمة لبناء منافس لـ شات جي بي تي
لتطوير منافس لـ ChatGPT، تحتاج إلى دراسة تقنية تفصيلية، ولكن هنا نورد نقاط رئيسية لنأخذ انطباعا أولياً عن التكاليف وأماكن صرفها بشكل عام:
فريق أبحاث متميز:
وهنا يمكن الاعتماد على فريق ثابت (ربما 50 باحث)، بالتعاون مع فرق أخرى تعمل على منصات مفتوحة المصدر للمشاركة في تحسين نتائج الأبحاث.
بنية تحتية تقنية متطورة:
استثمار بقيمة 500 مليون دولار في البنية التحتية السحابية ووحدات معالجة الرسومات GPUs.
تكلفة التدريب والتطوير:
قد تصل تكلفة التدريب لنموذج بحجم GPT-3 إلى 10-12 مليون دولار فقط لاستهلاك الطاقة الحاسوبية أثناء التدريب، دون حساب تكاليف البحث والتطوير المستمرة، والتحديثات.
التمويل:
حوالي مليار دولار لتغطية تكاليف التطوير والاختبارات.
بيانات ضخمة:
الوصول إلى قواعد بيانات ضخمة ومتنوعة، مع التركيز على جودة البيانات وليس الكمية فقط.
وبالتالي التعاقد مع مواقع الكتب ودور النشر والحصول على نسخ إلكترونية، أو تحويل الكتب إلى الشكل الرقمي، مع بناء محركات زحف لقراءة الصفحات على الإنترنت.
هل يجب أن نبني منافس عربي لشات جي بي تي؟
الإجابة نعم وذلك للأسباب التالي:
الحاجة إلى محتوى عربي مُحسّن:
من أبرز الأسباب التي قد تجعل من الضروري بناء منافس عربي لـ ChatGPT هو الحاجة إلى نموذج ذكاء اصطناعي يفهم اللغة العربية بتعمّق ويتعامل مع الثقافات والتنوع اللغوي في العالم العربي.
رغم أن ChatGPT يدعم اللغة العربية، إلا أنه قد لا يكون مثاليًا في معالجة الخصوصيات الثقافية والاجتماعية أو تقديم حلول متكاملة للسوق العربي.
بناء نموذج مخصص قد يعزز جودة التفاعل وفهم السياق بشكل أكبر.
الاستقلالية التكنولوجية:
وجود نموذج ذكاء اصطناعي عربي قد يعزز من استقلالية الدول العربية من حيث التكنولوجيا، حيث يمكن أن يتحكم المستخدمون في كيفية تدريب النموذج على البيانات المحلية وحمايتها من الاستخدام الخارجي.
هذا يمكن أن يساعد في حماية خصوصية البيانات وتعزيز الأمن السيبراني.
الفرص التجارية:
السوق العربي كبير ويزداد اهتمامه بتقنيات الذكاء الاصطناعي.
يمكن أن يفتح بناء نموذج منافس لـ ChatGPT باللغة العربية فرصًا تجارية جديدة للشركات الناشئة والتكنولوجيا في المنطقة، مما يعزز من الابتكار ويوفر حلولًا مخصصة للقطاعات المختلفة مثل التعليم، الصحة، والخدمات الحكومية.
التحديات المحتملة:
المنافسة ستكون مع العمالقة، يجب على أي مشروع منافس أن يضمن وجود استثمارات ضخمة، فريق بحثي ذو كفاءة عالية، واستراتيجية واضحة للتطوير والتسويق.
التأثير على اللغة والثقافة:
يمكن أن يدعم النموذج جهود الحفاظ على اللغة، ويشجع على إنتاج محتوى عربي عالي الجودة، ويساهم في تطوير أدوات تعليمية ولغوية مخصصة للمجتمعات الناطقة بالعربية.
الجدوى عموماً:
بناء منافس عربي لـ ChatGPT قد يكون ضروريًا وذو جدوى استراتيجية واقتصادية، لكنه يتطلب دراسة عميقة للسوق، واستثمارات كبيرة، وتعاون بين مختلف الأطراف المعنية.
إذا تم التخطيط والتنفيذ بشكل صحيح، يمكن أن يسهم في تعزيز الابتكار والاعتماد على الذات في العالم العربي.
خلاصة
لا يخفى على أي أحد أن التحدي الذي يواجه أي شركة تسعى لمنافسة ChatGPT هو مزيج من التوقيت، الموارد، والخبرة.
على الرغم من أن بناء منافس ممكن تقنيًا، إلا أن الوصول إلى نفس مستوى التأثير والسيطرة يتطلب أكثر من مجرد بناء نموذج ذكي.
يتطلب الأمر رؤية طويلة الأمد، استثمارات ضخمة، وشراكات استراتيجية، إلى جانب القدرة على الابتكار باستمرار في مواجهة المنافسة الشديدة.
ومع ذلك، فإن هذا التحدي يمكن أن يكون فرصة لأي شركة قادرة على توفير هذه الموارد وابتكار استراتيجية فريدة لتمييز نفسها عن ChatGPT.