بالاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي التوليدي Generative AI، هل سنكرر نفسنا وندخل بحلقات مغلقة بعد حين من الزمن؟
هل التكنولوجيا ستحل محل الإبداع البشري بشكل نهائي، أو ستعمل على إعادة تشكيله بطرق جديدة.
المحاور الرئيسية:
أخطار الاعتماد المفرط للمحتوى على الذكاء الاصطناعي
فقدان الأصالة والإبداع:
كما نعلم فإن الذكاء الاصطناعي يعتمد بشكل أساسي على تحليل الأنماط والبيانات الضخمة لتوليد محتوى جديد.
ورغم قدرة الذكاء الاصطناعي على إنتاج نصوص وصور وفيديوهات تبدو واقعية، إلا أن هذه المنتجات والمحتوى بأنواعه من نصوص وصور وفيديوهات، غالبًا ما تكون مستندة إلى تكرار أو إعادة تركيب لمعلومات موجودة مسبقًا.
الآن لو توقفّت المعلومات الجديدة والنصوص الجديدة والمحتوى الأصيل من الظهور، من أين سيستقي الذكاء الاصطناعي محتواه؟ بالطبع من نفسه ويكرر نفسه دون قيمة علمية او فنية جديدة تماماً وأصيلة.
مثال:
في صناعة الأفلام والإنتاج التلفزيوني، بدأت بعض الشركات في استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد نصوص سيناريوهات، بل وأبعد من ذلك و بدؤوا بإنتاج الأفلام السينمائية أيضاً.
ومع أن هذا قد يقلل من التكلفة والوقت، إلا أنه يمكن أن يؤدي إلى إنتاج محتوى متشابه بشكل مفرط، يفتقر إلى الابتكار الذي يأتي عادةً من الفكر البشري.
الفجوة بين الإبداع البشري والآلي:
الأبحاث الحالية تؤكّد أن هناك فجوة كبيرة بين الإبداع البشري والآلي.
البشر قادرون على تقديم سياقات جديدة، واستكشاف معاني جديدة، وربط الأفكار بشكل غير متوقّع بفضل التجارب الشخصية والعواطف والفهم العميق للعالم المحيط بهم.
الذكاء الاصطناعي، حتى مع إمكانياته التوليدية المتقدمة، لا يزال يعتمد على القواعد والأنماط التي تعلمها من البيانات البشرية.
وبالتالي، في غياب المحتوى البشري، قد يكون الذكاء الاصطناعي قادرًا على إنتاج محتوى جديد، لكنه سيظل على الأرجح محتوى محدودًا من حيث الابتكار والعمق.
وعموماً لا يمكننا أن نتصوّر ماذا لو أصبح للذكاء الاصطناعي وعي ذاتي Self-Awareness وامتلك قدرة الذكاء العام AGI الاصطناعي، ربما حينها سيكون مبدع، لكن مبدع في الجانب المظلم أم المشرق، وهذا تسائل آخر.
التحيّز والتلاعب بالمعلومات:
الذكاء الاصطناعي يعتمد على البيانات التي يتم تدريبه عليها. إذا كانت هذه البيانات متحيزة أو محدودة، فإن المحتوى الناتج سيكون أيضًا متحيزًا أو مضللًا.
هذا الأمر يمثل خطورة كبيرة في المجالات الحساسة مثل الصحافة والأخبار، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي تضخيم التحيزات أو تقديم معلومات مغلوطة بناءً على نماذج بيانات غير مكتملة أو منحازة.
ناهيك عن التحيز في التحليل والتفسير العلمي لأي موضوع ما، لأنه سيتأثر بآراء أصحاب النصوص والمحتوى ويتبناها دون تعمق وتدقيق أو منهج نقدي مثل البشر.
مثال:
تقوم بعض المؤسسات الإعلامية باستخدام الذكاء الاصطناعي في كتابة المقالات الإخبارية السريعة.
إذا لم تكن البيانات المستخدمة في تدريب هذه الأنظمة شاملة أو موضوعية، فقد يؤدي ذلك إلى تضليل الجمهور ونشر معلومات غير دقيقة.
كما يلجأ الكثيرون لطرح مقالات علمية طبية او سياسية تحليلية عبر الذكاء الاصطناعي ولكنها لا تكون محايدة أو موضوعية بالنسبة للقارئ.
تقليل الفرص الوظيفية للبشر:
طبعاً الأمر أصبح مقلق وتأثيراته السلبية انتشرت بشكل كبير جداً.
فالاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى أدّى فعلا إلى تقليل الفرص الوظيفية للكتاب والمبدعين البشريين.
واستمرار تقدم التكنولوجيا، يمكن أن تحل الأنظمة الذكية محل العاملين في العديد من المجالات الإبداعية مثل الكتابة، التصميم، والتحرير، مما يهدد مستقبل العديد من الوظائف التي تعتمد على القدرات البشرية.
ونقرأ في هذا التقرير التفصيلي من Europol أن ناقوس الخطر قد أشبع دقّاً ورنيناً وخلال عامي 2025 , 2026 سيكون ما يقارب من 90% من المحتوى على الانترنت هو من الذكاء الاصطناعي التوليدي.
مثال:
تواجه وكالات التسويق والإعلانات تحديات في هذا السياق، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي الآن توليد محتوى تسويقي كامل بناءً على تحليل البيانات السلوكية للمستهلكين، مما يقلل الحاجة إلى الكتاب والمبدعين البشريين في هذا المجال.
شكل المستقبل القريب للمحتوى في ظل الذكاء الاصطناعي
تخصيص المحتوى والتفاعل الفوري:
كما نعلم فإنه مسبقاً قد بدأ الأمر وهو مستمر للمستقبل القريب، حيث يتم استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أكبر في تخصيص المحتوى حسب تفضيلات الأفراد.
منصات البث مثل Netflix وYouTube تستخدم بالفعل الذكاء الاصطناعي لتوصية المستخدمين بمحتوى بناءً على سلوكهم السابق.
في المستقبل، قد تتطور هذه الأنظمة لتقدم محتوى مخصصًا بالكامل، مثل إنتاج أفلام أو برامج تلفزيونية تستهدف جمهورًا محددًا بناءً على بيانات تفضيلاتهم.
تجلس أمام الشاشة وتتمنى فلماً رومانسياً عن قصة خيالية في باريس، فيتولد أمامك فلم جديد يلبي رغبتك وتجلس لتشاهده.
هل هذا أمر إيجابي فعلاً؟ هل اسر العميل أو تحسين تجربته دوماً هي أمر جيد، حقيقة نترك الإجابة لكم.
تطور الصحافة التوليدية:
مع تطور الذكاء الاصطناعي، قد نرى المزيد من التطورات في الصحافة التوليدية (Generative Journalism).
يمكن للذكاء الاصطناعي إنشاء تقارير وأخبار بناءً على تحليل البيانات الحية والمعلومات المتاحة، مما يمكن الصحفيين من التركيز على التحقيقات والتحليلات المعمقة، بينما تتولى الآلات كتابة الأخبار اليومية والروتينية.
مثال:
تعمل وكالة Associated Press على تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي يمكنها توليد مقالات إخبارية اقتصادية بناءً على البيانات المالية بشكل فوري، مما يتيح للصحفيين التركيز على التحقيقات الإخبارية التي تتطلب تفكيرًا نقديًا وتحليلًا أعمق.
وعربيا يمكننا اخذ نشرة العاشرة تك من البوابة الإلكترونية كمثال آخر.
التعاون بين البشر والذكاء الاصطناعي:
هنالك تفاؤل وواقعية دوماً، وهنا الدمج بين التفاؤل والواقعية موجود أيضاً.
من المتوقع أن يتطور نموذج العمل في المستقبل ليصبح مزيجًا من التعاون بين البشر والذكاء الاصطناعي.
بدلاً من استبدال البشر، ستصبح الأنظمة الذكية أدوات تساعد المبدعين على تحسين إنتاجيتهم وإبداعهم.
خاصة عندما نعلم أن محركات البحث مثل غوغل أصبحت اليوم تبحث عن الأصالة والتجديد وتميّز الآلة من الإنسان، هذا حافظ على قيمة التدخل البشري على المدى الحالي والمستقبلي.
مقاطعة الذكاء الاصطناعي أمر قد حصل فعلاً:
احتفلت شركة دوف بمرور 20 عامًا على إطلاق منتجاتها من خلال الالتزام المتجدد بالجمال الحقيقي والتعهد بعدم استخدام الذكاء الاصطناعي لتمثيل النساء الحقيقيات في إعلاناتها.
نعم هم يريدون لزبائنهم أن يرو تأثير منتجاتهم على أشخاص حقيقيين ضمن الإعلانات، حتى يصبح حماسهم حقيقية وباتجاه اشخاص حقيقيين وليس صور من توليد الذكاء الاصطناعي.
حيث أوردت في تقرير لها، أن المحتوى الجمالي الصناعي عبر الإنترنت ضار جداً, ومن أكبر التهديدات التي تواجه تمثيل الجمال الحقيقي هو الذكاء الاصطناعي
من المتوقع أن يتم توليد 90% من المحتوى عبر الإنترنت بواسطة الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2026، وبالتالي فإن صعود الذكاء الاصطناعي يشكل تهديدًا لرفاهية المرأة، حيث تشعر واحدة من كل 3 نساء بالضغط لتغيير مظهرها بسبب ما تراه عبر الإنترنت، حتى عندما تعلم أنه مزيف أو من صنع الذكاء الاصطناعي.
تخيل أن عقول البشر بدأت تتغير برغباتها تجاه بعضهم البعض بسبب الزيف الاصطناعي.
الأبحاث الحالية لإيجاد الحلول لمخاطر الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى
تطوير الذكاء الاصطناعي الأخلاقي:
تعمل العديد من الأبحاث على تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي أخلاقية قادرة على اتخاذ قرارات تعتمد على مبادئ أخلاقية محددة.
هذه الأبحاث تهدف إلى تقليل التحيز في البيانات وضمان أن تكون الأنظمة الذكية قادرة على إنتاج محتوى متوازن وموضوعي.
مثال:
جامعة هارفارد تعمل على مشروع “AI Ethics Lab” الذي يهدف إلى تطوير نماذج ذكاء اصطناعي يمكنها التعرف على التحيزات في البيانات ومعالجتها بشكل فعال قبل توليد المحتوى، مما يقلل من مخاطر التحيز والتضليل في الإعلام والأنظمة المعلوماتية.
تعزيز الشفافية في خوارزميات الذكاء الاصطناعي:
أحد المجالات البحثية الأخرى الهامة هو تعزيز الشفافية في الخوارزميات المستخدمة في إنتاج المحتوى. تهدف هذه الأبحاث إلى تطوير أنظمة تمكن المستخدمين من فهم كيفية اتخاذ القرارات داخل النظام الذكي وكيف يتم توليد المحتوى، مما يعزز من الثقة بين البشر والآلات.
مثال:
تعمل Google AI على مبادرة “Explainable AI” التي تهدف إلى تطوير تقنيات تجعل من السهل فهم العمليات الداخلية للأنظمة الذكية، مما يسمح للمستخدمين بمعرفة كيفية تم اتخاذ قرار معين أو كيف تم إنشاء جزء من المحتوى.
باستخدامها، يمكن تصحيح أخطاء النموذج وتحسين أدائه، ومساعدة الآخرين على فهم سلوك النماذج, يمكن أيضًا التحقيق بصريًا في سلوك النموذج باستخدام أداة What-If.
الأثر على الفكر البشري والإبداع
تراجع التفكير النقدي والإبداع:
مع زيادة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، هناك مخاوف من تراجع التفكير النقدي والإبداع البشري.
إذا أصبحت الآلات هي المسؤولة عن إنتاج معظم المحتوى، قد يقلل ذلك من حاجة البشر للتفكير النقدي أو المشاركة في العمليات الإبداعية بشكل مباشر.
مثال:
في مجال التعليم، إذا تم الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لتوليد جميع المواد التعليمية والتفاعل مع الطلاب، قد يفقد المعلمون القدرة على تطوير مواد مبتكرة تلبي احتياجات الطلاب بشكل مخصص، مما يؤثر على جودة التعليم والتفكير النقدي للطلاب.
تأثير الذكاء الاصطناعي على الهوية الثقافية:
إنتاج المحتوى يعتمد بشكل كبير على السياق الثقافي والاجتماعي، لأن مصدره البشر، ويتعلّم من نصوص وصور ومحتوى بناه البشر.
مع زيادة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى، هناك خطر أن يتم تهميش بعض الثقافات أو أن تصبح بعض المحتويات متجانسة، مما يؤدي إلى فقدان التنوع الثقافي والهويات المحلية.
تصور محركات ذكاء اصطناعي توليدي غير واعية للثقافة الإسلامية مثلاً أو التاريخ الإسلامي من قلبه وكتبه الصحيحة، النتيجة معلومات غير صحيحة لا ثقافياً ولا معنوياً.
هل سيتفوق المحتوى التوليدي على المحتوى الأصيل؟
هل سيكون المحتوى التوليدي قادرًا على التفوق على المحتوى الأصيل الذي ينتجه البشر، وكلمة تفوق لا تعني الكثرة، بل الجودة والكثرة والتقدير من المجتمع بآن معاً.
يعتمد المحتوى التوليدي على خوارزميات قوية قادرة على إنتاج نصوص، صور، وأعمال فنية تبدو مشابهة جدًا للمحتوى الذي ينتجه البشر.
ولكن رغم هذه القدرات المذهلة، يبقى التفوق على المحتوى الأصيل موضوعًا معقدًا.
الفروق الأساسية:
المحتوى الأصيل يتميز بعمقه العاطفي، والارتباط بالسياق الثقافي، والتجربة الشخصية التي يصعب على الخوارزميات توليدها بنفس الجودة.
في المقابل، يمكن للمحتوى التوليدي أن يكون فعالًا وسريعًا في إنتاج كميات كبيرة من المواد، لكنه غالبًا ما يفتقر إلى الإبداع الحقيقي والروح التي تأتي من التجربة البشرية.
طبعاً هذا ما نراه حالياً وعلى المستقبل القريب المنظور.
مستقبل المنافسة:
من غير المحتمل أن يتفوق المحتوى التوليدي بشكل كامل على المحتوى الأصيل.
سيظل هناك طلب دائم على الإبداع البشري، خاصة في المجالات التي تتطلب تفاعلًا عاطفيًا وفهمًا عميقًا للسياق الإنساني.
ومع ذلك، يمكن للمحتوى التوليدي أن يلعب دورًا مساعدًا أو تكميليًا، حيث يوفر مواد أولية أو بدائل سريعة للتصميمات الأولية أو النصوص التي يمكن للمبدعين البشر تحسينها وتكييفها بما يتناسب مع السياق الفريد لكل مشروع.
التميّز والجودة في مكانها:
قد يكون هنالك أماكن لا يرضى بها الجمهور لتكون مولدة بالذكاء الاصطناعي، مثل النقاشات العلمية والثقافية، أو الأعمال الفنية الأصيلة وهكذا.
لذلك يجب أن نحدد، هل الجودة والأصالة مطلوبة في مكان ما أم لا، حينها يمكن استشفاف مستقبلها مع الذكاء الاصطناعي.
خاتمة وخلاصة
نعم بعد بضع سنوات سنكون غارقين بالمحتوى التوليدي بجميع أنواعه، ولكن هذا لا يتعارض مع فكرة أن البشر يبحثون دوماً عن الجودة، وعندما تفقد الجودة فسوف يعرضون عن المنتج.
وهذه هي النقطة المحورية التي تحمينا مما يخبئه لنا المحتوى الاصطناعي التوليدي.