التطور في التسويق في ظل الذكاء الاصطناعي

لحسن الحظ فإنه من بين جميع وظائف الشركات، ربما يكون التسويق هو أحد أكثر الوظائف استفادة من الذكاء الاصطناعي.

والسبب يعود إلى ان أغلب ما يتمنّاه رجال التسويق، هو من صلب ما يعززه الذكاء الاصطناعي.

وتتمثل الأنشطة الأساسية للتسويق في فهم احتياجات العملاء، ومطابقتها مع المنتجات والخدمات، وإقناع الناس بالشراء عبر محتوى متنوع الأشكال والأزمان.

وهي القدرات التي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعززها بشكل كبير جداً، ولا عجب أننا نرى اليوم الإنترنت يعج بالإحصائيات حول الاستخدام الهائل للذكاء الاصطناعي من قبل وكالات التسويق المختلفة.

تمهيد مهم

الكثير من شركات التسويق اليوم لديها أدواتها الخاصة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ولسنا بصدد الحديث عن الأدوات.

ولكن سوف نفنّد المجالات الرئيسية لتدخل الذكاء الاصطناعي ضمن صناعة التسويق، وما يجب علينا الانتباه له في ظل التطورات السريعة من حولنا.

ومن أكثر الاستخدامات اليوم للذكاء الاصطناعي تسويقياً:

1. تبسيط عملية البيع: باستخدام بيانات مفصلة للغاية عن الأفراد، بما في ذلك بيانات تحديد الموقع الجغرافي في الوقت الفعلي، لإنشاء عروض منتجات أو خدمات مخصصة للغاية.
2. تحفيز العملاء: خلال رحلة العميل، يساعد الذكاء الاصطناعي في تقليل احتمالية تخلي العملاء عن عربات التسوق الرقمية الخاصة بهم.

على سبيل المثال،

لو دخل العميل لمنصة تجارة إلكترونية في منقطة جغرافية ما وكان عمره و جنسه مطابق لشريحة الشباب المثقفين الذكور مثلاً.

حينها سيقوم الذكاء الاصطناعي بالبحث عن أفضل الرغبات الممكنة او المحتملة له طبقاً لذلك وعليه سيقدم له عروضاً تناسبه.

ومن ثم بعد أن يملأ العميل عربة التسوق، يمكن لروبوتات الذكاء الاصطناعي تقديم تحفيزات للمساعدة في إتمام البيع،  مثل توليد عبارات جميلة كـ “اختيار موفق، اشترى أحمد من نفس المنتج وأعجبه”.

يمكن لمثل هذه السيناريوهات زيادة معدلات التحويل بأضعاف مضاعفة عن ذي قبل.

مساحات تدخّل الذكاء الاصطناعي في عملية التسويق

بالعودة إلى مقالة أوردتها Harvard Business review نجد ان هنالك مساحتين أساسيتين هما:

1. التطبيقات المستقلة Stand-alone applications: أي التطبيقات المستقلة بحد ذاته عن الأدوات الأصلية التي اعتاد المسوقون على استخدامها.
2. التطبيقات المتكاملة Integrated applications: وهي التطبيقات المدمجة داخل أدوات فريق التسويق.

وهذا الأمر يقودنا إلى تقسيمين جديدين بحسب العمق في الاعتماد على الـ AI أو مستوى الذكاء:

1. أتمتة المهام Task automation (ليست ذكية جداً).
2. التعلم الآلي Machine learning (أكثر ذكاءً).

لنتناول كل واحدة على حدا ونأخذها بشكل تفصيلي أكثر.

أتمتة المهام Task automation

في هذه الحالة، تؤدي هذه التطبيقات مهام متكررة ومنظمة تتطلب مستويات منخفضة نسبيا من الذكاء.

وهي مصممة لاتباع مجموعة من القواعد أو تنفيذ تسلسل محدد مسبقا من العمليات على أساس مدخلات معينة، ولكنها لا تستطيع التعامل مع مشاكل معقدة مثل طلبات العملاء الدقيقة.

ومن الأمثلة على ذلك:

1. النظام الذي يرسل تلقائيا رسالة ترحيب بالبريد الإلكتروني لكل عميل جديد، مع شيئ من التخصيص الذكي.
2. بوتات دعم العملاء مع بعض التفاعلات الأساسية، بدون شجرة قرار محددة، ولكنها لا تستطيع تمييز نية العملاء، أو تقديم استجابات مخصصة، أو التعلم من التفاعلات بمرور الوقت.

التعلم الآلي Machine learning

يتم تدريب خوارزميات التعلم الآلي باستخدام كميات كبيرة من البيانات للتوصل إلى تنبؤات وقرارات معقدة نسبيًا.

يمكن لمثل هذه النماذج التعرف على الصور وفك شفرة النص وتقسيم العملاء وتوقع كيفية استجابة العملاء لمبادرات مختلفة، مثل العروض الترويجية.

يعمل التعلم الآلي بالفعل على دفع الشراء من خلال الإعلانات عبر وتطبيقات التوصية بالتجارة الإلكترونية Recommendation System ونماذج ميل المبيعات Sales propensity models (أي الميول والتفضيل والمبيعات الأفضل والتوصيات) في أنظمة إدارة علاقات العملاء CRM.

التعلم العميق، من أكثر التقنيات رواجًا في مجال الذكاء الاصطناعي ويتحول بسرعة إلى أدوات قوية في التسويق.

ومع ذلك، من المهم توضيح أن تطبيقات التعلم الآلي الحالية لا تزال تؤدي مهام ضيقة وتحتاج إلى التدريب باستخدام كميات هائلة من البيانات.

التطبيقات المستقلة Stand-alone applications

يمكن فهم هذه التطبيقات على أنها برامج ذكاء اصطناعي محددة بوضوح أو معزولة.

وهي منفصلة عن القنوات الأساسية التي يتعرف من خلالها العملاء على عروض الشركة أو يشترونها أو يحصلون على الدعم لاستخدامها، أو القنوات التي يستخدمها الموظفون لتسويق أو بيع أو خدمة هذه العروض.

وببساطة، يتعين على العملاء أو الموظفين القيام برحلة خاصة خارج هذه القنوات او التطبيقات الأصلية لاستخدام الذكاء الاصطناعي.

ولنتأمل هنا تطبيق اكتشاف الألوان الذي ابتكرته شركة بيهر للدهانات.

وهو تطبيق مدعوم بالذكاء الاصطناعي، ومتموضع خارج منصة بيع الدهانات تماماً، وعلى العميل زيارته بشكل منفصل.

من خلال هذا التطبيق يمكن للعميل اختيار الألوان المناسبة له لطلاء المنزل او المكتب، والتطبيق بذكاء قادر على الحوار معه وفهم احتياجاته وتقديم التوصية له.

ثم تتم عملية البيع الفعلية للدهانات خارج التطبيق.

التطبيقات المتكاملة Integrated applications

حيث تكون تطبيقات الذكاء الاصطناعي مدمجة داخل الأنظمة القائمة وغالباً ما تكون أقل وضوحاً من التطبيقات المستقلة للعملاء والمسوقين ومندوبي المبيعات الذين يستخدمونها.

على سبيل المثال، يتم دمج التعلم الآلي الذي يتخذ قرارات في جزء من الثانية حول الإعلانات الرقمية التي يجب تقديمها للمستخدمين في منصات تتعامل مع العملية الكاملة لشراء ووضع الإعلانات.

وأشهر مثال للدمج هو التعلم الآلي المتكامل من Netflix يقدم للعملاء توصيات الفيديو لأكثر من عقد من الزمان.

يعد مثالاً واضحاً على أن التعلم الآلي مدمج داخل التطبيق بغرض التسويق والبيع، او تحسينهما، وليس تطبيق قائم بذاته ومستقل.

مثال آخر:

في أنظمة إدارة علاقات العملاء، نلاحظ بشكل متزايد إطلاق مزايا جديدة، تتعلق بالتعلم الآلي وتقديم فائدة أعظم لفريق التسويق والمبيعات.

لنأخذ شركة Salesforce، تحتوي مجموعة Sales Cloud Einstein على العديد من القدرات.

حيث مثلاً يمكنه تصنيف العملاء المحتملين تلقائيًا وإعطاء نقاط او تقييم للتعبير على أي منهم الأقرب ليصبح عميل حقيقي، وهذا يساعد المسوقين ورجال المبيعات بالتركيز على الأعلى تقييماً وإغلاق البيعة.

خلاصة حول مساحات تدخّل الذكاء الاصطناعي مع التسويق

مما سبق نستنتج أن الموضوع ليس فقط تحسين وتحليل وتوجيه، هنالك ما هو خارج الصندوق وما قد يقدم خدمات مختلفة كلياً.

باب الإبداع مفتوح ويمكننا إما تطوير حلول خاصة بنا لدعم عمليات التسويق او الاستعانة بأدوات جاهزة.

ماهي الأمور التي يجب الانتباه لها حول تطور التسويق المدعوم بالذكاء الاصطناعي؟

1- البيانات الخاصة بأعمالنا

الذكاء الاصطناعي المتعلق بالتسويق غالباً وبطبيعته شره جداً للبيانات، وأي عمل تجاري أو وكالة نديرها، تعتبر أحد مصادر البيانات لهذا لمحرك الذكاء، مثل بيانات عملائنا ورحلتهم وتفاعلنا معهم، صفحات الهبوط وأدائها، المبيعات وتفصيلاتها.. وهلم جر.

يجب التأكد أننا نخزّن بياناتنا بشكل كامل وبتفصيل كافي، بحيث نطلبها عند الحاجة لدعم أحد الأدوات الذكية.

كممارسة جيدة، يمكننا اليوم طلب تقارير تفصيلية حول مواضيع محددة، ونختبر هل بياناتنا ستلبي الطلب وتقدّم الإجابة أم لا.

2- الاستقلالية والخصوصية

هل بياناتنا هي ملكنا ولدين حق الوصل متى ما نشاء؟ هل هي محفوظة وبعيدة عن متناول الأيادي الخارجية؟

يجب التأكد من العقود والسياسات لأي أطراف أخرى نتعاقد معها ونحفظ بياناتنا عندها، لان البيانات هي بمثابة رأس المال الخاص بخوارزميات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي التي نعتمدها.

طبعاً لا نتكلم هنا عن التوصيات والتوجهات العامة التي تقدمها لنا بعض الأدوات حول السوق وحركته والتي تعتمد على بيانات السوق وليس بياناتنا الخاصة.

3- المرونة والمنافسة

هل نحن مستعدون لدمج تقنيات جديدة؟ هل نستطيع التحول من روتين عمل قديم ونستبدله بأساليب وأدوات ذكية بسرعة؟

لو المنافس يستطيع ذلك، فذلك ناقوس خطر كبير، ولذلك يجب على المدراء في التسويق تفريغ وقت للمتابعة وقراءة الأحداث وإدخال كل ما هو جديد ومفيد قبل المنافسين.

4- الدقة والجودة

ليست الغاية الانجرار وراء ما هو جديد بدون تفنيد ودراسة جدوى منطقية حول أي أداة او تطبيق جديد.

وهنا تبرز الخبرة في اختيار ما هو مفيد ودقيق، فالتوصيات والتنبؤات وأتمتة المهام والرسائل الذكية وغيرها من كل هذه الأمواج القادمة، أي موجة منهم ستكون مناسبة لتوصلنا لبر الأمان.

نحتاج دوماً للتجريب ومقارنة النتائج، وسؤال مختصين، وحينها يمكن الإقرار بما هو جيد لنا.

5- التكلفة والتشتت

الشركات تتنافس لطرح أدوات جديدة بشكل يومي، وسنغرق قريباً في بحر الأدوات والمدفوعات الشهرية الكثيرة.

هذه نتيجة حتمية لكل من ينجر وراء التغيرات السريعة بدون التمحيص وستكون النتيجة تكاليف عالية على المدى المتوسط والبعيد.

لأن البدايات غالباً ما تكون باشتراكات صغيرة من رتبة الـ 30-40 دولار، ومن ثم ينتهي بنا الامر لنجد أنفسنا ندفع المئات والآلاف شهرياً.

6- القوانين والتشريعات

لنضع عيناً على القوانين والتشريعات بشكل مستمر، لأنها تتغير بسرعة طرح الأدوات والتطبيقات والتقنيات الجديدة.

هل تغير قانون حماية الخصوصية، حفظ البيانات، ملكية البيانات، الحرمان من استخدام منتجات خارجية، ضرورة الانصياع لمعايير معينة، وهلم جر.

7- الأرشفة

قلنا سابقاً أننا سنحتفظ بالبيانات بكل أنواعها، لكن ماذا عن نتائج اعمالنا، من مقالات، صور، منشورات، وغيرها من البيانات التي تأتي ضمن العمليات التسويقية؟

يجب أرشفتها لتسهيل الاستفادة منها لاحقاً بطرق مختلفة، وتكون طريقة الأرشفة مرتبة وليس عبثية تخلق لنا مستودعات من الملفات المبعثرة.

خلاصة أخيرة

نعم إن صناعة التسويق قد استفادت ومستمرة بالاستفادة من الذكاء الاصطناعي يوماً بعد يوم، والنقطة الفاصلة للنجاح هي لمن يملك الموازنة بين المرونة والسرعة والتنظيم مع الكفاءة والجدوى من كل حركة وخطوة.

قد يسرّع علينا الذكاء الاصطناعي بعض الأمور، لكنه بالمقابل يضيف مهام لم تكن موجودة مسبقاً على رفوفنا، مثل التدقيق ومقارنة الأدوات ومتابعة التحديثات وهلم جر.

نحتاج لنكون سريعين وواعين بآن واحد.