تعتبر النماذج اللغوية الكبيرة Large Language Models جزء مهم لا يتجزّأ من الثورة الحديثة في الذكاء الاصطناعي.
هذه النماذج تتمتع بقدرة هائلة على فهم وتوليد اللغة، مما يجعلها أداة قوية في مجالات متعددة بدءًا من الكتابة التلقائية وصولاً إلى تحليل النصوص الكبيرة.
سنحاول جهدنا في هذه المقالة، تقديم فهم أساسي لماهية النماذج اللغوية الكبيرة، بنيتها الداخلية، كيفية عملها، الفارق بينها وبين النماذج الأخرى، وأهميتها وتطبيقاتها، بالإضافة إلى التحديات التي تواجهها والتوقعات المستقبلية.
المحاور الرئيسية:
ما هو النموذج اللغوي؟
النموذج اللغوي عموماً سواء كان تقليدي أم كبير, هو نوع من النماذج الحاسوبية Models المصممة لفهم اللغة الطبيعية ومعالجتها.
يعتمد هذا النموذج على تعلم الآلة والشبكات العصبية، حيث يتم تدريبه على كميات جيدة من البيانات النصية.
الهدف الأساسي للنموذج اللغوي هو استيعاب الأنماط والقواعد اللغوية التي تحكم كيفية تفاعل الكلمات والجمل مع بعضها البعض في النصوص.
ماهي بنية النموذج اللغوي؟
تتكون النماذج اللغوية عادة من عدة طبقات من العصبونات الاصطناعية التي تعمل معًا لفهم وتمثيل المعلومات اللغوية.
في البداية، تُحول الكلمات إلى متّجهات (أشعّة) عددية تُسمى تضمينات الكلمات أو Word Embeddings، التي تمثل المعاني والعلاقات بين الكلمات في فضاء رياضي متعدد الأبعاد.
بعد ذلك، تمر هذه المتجهات عبر طبقات متعددة من العصبونات، حيث يتعلم النموذج كيفية معالجة هذه المعلومات لاستخراج المعاني أو التنبؤ بالكلمات التالية في سلسلة نصية.
ما سبق هو شرح مختصر جداً جداً لمراحل داخلية وتفصيلية لم تذكر هنا, وسنضرب مثالاً بسيطاً لاحقاً.

ما هي آلية عمل النموذج اللغوي؟
هنالك آلية معقّدة جداً وراء كل مرحلة من مراحل عمل النماذج اللغوية.
يصعب شرحها بشكل علمي ورياضي ببضع سطور، فهنالك أمور على صعيد الكلمات, الجمل, التعابير, العلاقات اللغوية وهلم جر.
ولكي نختصر الشرح ونبسّطه دعونا نقول أن النماذج اللغوية وآلية عملها يعتمد على ما يُعرف بـ آلية الانتباه Attention Mechanism، التي تسمح للنموذج بالتركيز على أجزاء معينة من النص أثناء المعالجة، مما يعزز قدرته على فهم السياق بشكل دقيق.
هذه الآلية تمكّن النموذج من توليد نصوص جديدة، الإجابة على الأسئلة، أو حتى ترجمة النصوص من لغة إلى أخرى.
مثال عن عمل النموذج اللغوي:
لناخذ هذا المثال مع المراحل الأساسية له لنشرح كيف تتدرب الشبكات العصبية في النماذج اللغوية عموماً.
وسنهمل مراحل تجميع البيانات وتنقيتها وتنضيدها قبل إدخالها للنموذج اللغوية.
المرحلة الأولى: Tokenization (التحويل إلى رموز)
في هذه المرحلة، يقوم النموذج بتقسيم الجملة إلى وحدات أصغر تُعرف بالرموز. كل كلمة في الجملة تُعتبر رمزاً.
- جملة: “القط يأكل الفأر”
- رموز: [“القط”, “يأكل”, “الفأر”]

المرحلة الثانية: Embedding (تحويل الرموز إلى تضمينات)
كل رمز يُحول إلى متجه عددي في فضاء متعدد الأبعاد. هذه المتجهات تمثل الكلمات في سياقها.
- “القط” → [0.2, -0.1, 0.9]
- “يأكل” → [0.3, 0.3, -0.5]
- “الفأر” → [0.1, -0.3, 0.6]
والملاحظ هنا أن الكلمات ذات المعاني المتشابهة تكون قريبة من بعضها. فمثلاً، “تفاحة” و”برتقالة” ستكونان متقاربتين في هذا الفضاء، بينما “تفاحة” و”سيارة” ستكونان بعيدتين.

المرحلة الثالثة: Forward Pass (المرور الأمامي)
يستخدم النموذج العصبونات لمعالجة هذه المتجهات خلال طبقات متعددة لفهم الجملة بشكل أعمق وتحديد العلاقات بين الكلمات.
المتجهات المُدخلة (من المثال السابق) تُمرر خلال الشبكة العصبية التي تُحلل العلاقات والبنية النحوية.
المرحلة الرابعة: Prediction/Output (التنبؤ/المخرجات)
بناءً على المعلومات المستخرجة والسياق، يمكن للنموذج أن يقوم بمهام مثل التنبؤ بالكلمات التالية، الترجمة، أو الرد على الأسئلة.
مثلاً، استنادًا إلى “القط يأكل”، قد يتنبأ النموذج بأن الكلمة التالية ستكون “الفأر” بناءً على التدريب السابق.
المرحلة الخامسة: Backpropagation (الانتشار العكسي)
في حالة التعلم، يتم تحديث أوزان الشبكة العصبية بناءً على الأخطاء بين التنبؤات والإجابات الصحيحة لتحسين دقة النموذج.
مثلاً، يتم تعديل الأوزان لتقليل الخطأ في التنبؤ بكلمة “الفأر” بعد “يأكل”.
ملخّص المثال:
كل هذه المراحل تساعد النموذج اللغوي على فهم وتحليل اللغة بطريقة تحاكي، إلى حد ما، فهم الإنسان.
تُظهر هذه العملية التعقيد والقدرة الكبيرة للنماذج اللغوية في معالجة اللغة الطبيعية وتقديم نتائج مفيدة في مجالات متنوعة مثل الترجمة الآلية، الردود الآلية، وغيرها من تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
كيف تطورت النماذج اللغوية؟
تطورت النماذج اللغوية كثيراً وخاصة ما يُعرف بـ النماذج اللغوية الكبيرة Large Language Models، وهذا أدى إلى ثورة في مجال الذكاء الاصطناعي.
حيث أصبحت هذه النماذج قادرة على أداء مهام معقدة تتطلب فهمًا عميقًا للغة، مما يفتح الباب أمام تطبيقات جديدة في العديد من المجالات مثل الترجمة، تحليل النصوص، وتوليد المحتوى التلقائي.

ما هي النماذج اللغوية الكبيرة Large Language Models LLM؟
النماذج اللغوية الكبيرة هي نماذج لغوية لكنها تعتمد على الشبكات العصبية العميقة تحديداً، تم تدريبها على كميات ضخمة من النصوص والبيانات اللغوية.
تهدف هذه النماذج إلى فهم النصوص المكتوبة أو المنطوقة وتوليد نصوص جديدة (و أمور أخرى مرتبطة بها) بناءً على الأنماط التي تعلمتها.
تسميتها بـ الكبيرة تأتي من حجم البيانات الهائل وعدد المعلّمات Parameters المستخدمين في تدريبها.
لماذا سميت بهذا الاسم؟
حجم البيانات والمعلّمات: الحجم الكبير للبيانات والمعلمات هنا يشير إلى حجم البيانات الذي يُستخدم في تدريب هذه النماذج وكذلك عدد المعلمات التي تتجاوز المليارات في بعض الأحيان.
كلما كان النموذج أكبر، زادت قدرته على فهم الأنماط المعقدة في اللغة.
تعدد الأغراض: هذه النماذج تكون متعددة الاستخدامات، حيث يمكن استخدامها في العديد من التطبيقات اللغوية المختلفة مثل الترجمة الآلية، توليد النصوص، والإجابة على الأسئلة مثلاً.
الفارق بين النماذج اللغوية الكبيرة والنماذج اللغوية الأخرى
- النطاق والتعقيد: النماذج اللغوية الكبيرة تتفوق على النماذج التقليدية في قدرتها على التعامل مع نصوص معقدة وطويلة، حيث يمكنها فهم السياق بشكل أفضل وإنتاج ردود أكثر طبيعية وواقعية.
- التدريب: تعتمد النماذج اللغوية الكبيرة على كميات هائلة من البيانات والتي تشمل أنواعًا مختلفة من النصوص، مما يعطيها قدرة على التعميم بشكل أفضل مقارنة بالنماذج الأصغر التي قد تقتصر على مجالات محددة.
- الأداء: النماذج الكبيرة تحقق أداءً أعلى في المهام التي تتطلب فهمًا عميقًا للغة، مثل تحليل النصوص التلقائي وتوليد المحتوى.
ما هي بنية النماذج اللغوية الكبيرة وكيفية عملها؟
1- الشبكات العصبية العميقة Deep Neural Networks
النماذج اللغوية الكبيرة تعتمد على بنية الشبكات العصبية العميقة، وهي نوع من الشبكات العصبية الاصطناعية التي تتكون من طبقات متعددة من العصبونات Neurons.
هذه الطبقات تشمل طبقات الإدخال، الطبقات المخفية، وطبقات الإخراج.
كل طبقة من هذه الطبقات تتعلم تمثيلًا مختلفًا للبيانات المدخلة، بدءًا من الأنماط البسيطة إلى الأنماط الأكثر تعقيدًا.
2- تحويل النصوص إلى متجهات Word Embeddings
كما شرحنا سابقاً عن النماذج اللغوية التقليدية، فهنا الامر مشابه.
تقوم محركات النماذج الكبيرة بتحويل النصوص إلى متجهات، وهي خطوة مهمة حيث يتم تمثيل الكلمات كمتجهات رقمية Vectors تُمثل في فضاء متعدد الأبعاد.
هذه المتجهات تُمثل معنى الكلمات والعلاقات بينها بشكل يمكن للنموذج فهمه ومعالجته.
3- آلية الانتباه Attention Mechanism
آلية الانتباه هي جزء من بنية النموذج التي تسمح له بالتركيز على أجزاء معينة من النص أثناء المعالجة. هذه الآلية تعطي النموذج القدرة على فهم السياق بشكل أفضل من خلال تحديد الأجزاء المهمة من النصوص.
4- التدريب المعتمد على التنبؤ Predictive Training
يتم تدريب النماذج اللغوية الكبيرة على كميات ضخمة من النصوص بهدف التنبؤ بالكلمة التالية في سلسلة النصوص بناءً على الكلمات السابقة.
هذا النوع من التدريب يمكن النموذج من فهم الأنماط اللغوية المعقدة، مما يسمح له بتوليد نصوص جديدة مشابهة للغة الطبيعية.
أهمية النماذج اللغوية الكبيرة في عالم الذكاء الاصطناعي
النماذج اللغوية الكبيرة تُمثل خطوة كبيرة نحو تحقيق ذكاء اصطناعي أكثر تطورًا وشمولية.
بفضل قدرتها على التعامل مع مهام لغوية معقدة، أصبحت هذه النماذج أساسية في تحسين العديد من الخدمات والتطبيقات مثل:
- تحسين محركات البحث: من خلال تحسين فهم نية المستخدم وسياق البحث.
- مساعدات الصوت الذكية: مثل Alexa وSiri، التي تعتمد على فهم دقيق للأوامر الصوتية.
- التفاعل الطبيعي مع الأنظمة: تحسين تجربة المستخدم من خلال توفير استجابات طبيعية وواقعية.
- توليد المحتوى: توليد المحتوى اللغوي بدقة تضاهي البشر وبمختلف اللغات واللهجات وتضمين الثقافات.
ما هي الصناعات أو المجالات التي يستخدم فيه النماذج اللغوية الكبيرة؟
النماذج اللغوية الكبيرة تُستخدم في مجموعة واسعة من الصناعات والمجالات، وذلك بفضل قدرتها على معالجة اللغة الطبيعية وتوليد نصوص بشكل فعال. إليك بعض المجالات الرئيسية التي تستفيد من هذه التكنولوجيا:
- التعليم: تُستخدم النماذج اللغوية لتطوير أنظمة التعلم الآلي التي يمكنها تقديم تدريب مخصص للطلاب بناءً على أدائهم واحتياجاتهم.
- الرعاية الصحية: في مجال الرعاية الصحية، يمكن لهذه النماذج مساعدة الأطباء والممرضين بتوفير معلومات سريعة ودقيقة حول الأمراض والعلاجات من خلال تحليل البيانات الطبية والمقالات العلمية.
- خدمة العملاء: النماذج اللغوية تُستخدم لتعزيز الدعم الآلي من خلال الرد على استفسارات العملاء وتقديم المساعدة في الوقت الفعلي عبر البوتات ومساعدي الدردشة.
- التسويق الرقمي: يمكن للنماذج اللغوية تحليل سلوك المستهلك وتوليد محتوى تسويقي مخصص يزيد من التفاعل والمبيعات.
- التمويل والمصرفية: تُستخدم في تحليل المخاطر، معالجة العقود القانونية، ومراقبة التزام الصناعة باللوائح من خلال تحليل كميات كبيرة من النصوص والوثائق.
- الصحافة والنشر: يُمكن للنماذج اللغوية المساعدة في توليد المحتوى الإخباري، تحرير المقالات، وحتى في إنشاء مقالات كاملة حول مواضيع معينة.
- الأمن السيبراني: تُستخدم لتحليل وفهم الاتصالات والبيانات الأمنية، وتحديد الأنماط المشبوهة أو المهددات المحتملة من خلال البيانات النصية.
- الترفيه والإعلام: في صناعة الترفيه، تُستخدم النماذج لتوليد نصوص لألعاب الفيديو، السيناريوهات، وحتى في تكوين الأغاني والروايات.
- الأبحاث العلمية: تُستخدم النماذج اللغوية الكبيرة لمساعدة الباحثين في تلخيص الأدبيات البحثية وتحليل البيانات العلمية بكفاءة عالية.
تُظهر هذه المجموعة المتنوعة من الاستخدامات كيف أن النماذج اللغوية الكبيرة قد أصبحت أداة حيوية ومتعددة الاستخدامات في العديد من الصناعات، مما يدفع الابتكار ويعزز الكفاءة عبر العديد من المجالات.
وإليك مرجع مهم يشرح دور النماذج اللغوية الكبيرة في عمليات التصميم والتصنيع من هنا.
التحدّيات في تطوير النماذج اللغوية الكبيرة
رغم الفوائد الكبيرة، إلا أن تطوير النماذج اللغوية الكبيرة يواجه عدة تحديات:
- التكلفة العالية: تدريب النماذج الكبيرة يتطلب موارد حوسبة هائلة وتكلفة مالية كبيرة.
- التحيّز في البيانات: إذا كانت البيانات التي يُدرب عليها النموذج تحتوي على تحيزات، فإن النموذج قد يعكس هذه التحيزات في مخرجاته.
- الاستهلاك الكبير للطاقة: يتطلب تدريب هذه النماذج كميات كبيرة من الطاقة، مما يثير تساؤلات حول الاستدامة البيئية.
- الأمن والخصوصية: استخدام النماذج اللغوية الكبيرة يثير مخاوف حول كيفية التعامل مع البيانات الشخصية وحمايتها.
التوقعات المستقبلية للنماذج اللغوية الكبيرة
- تحسين الكفاءة: من المتوقع أن تتجه الأبحاث المستقبلية نحو تطوير نماذج أكثر كفاءة في استهلاك الموارد، مع الحفاظ على الأداء العالي.
- تقليل التحيّزات: العمل على تطوير تقنيات وأساليب جديدة لتقليل التحيزات في النماذج اللغوية من خلال تحسين جودة البيانات المستخدمة في التدريب.
- زيادة التفاعل الطبيعي: مع استمرار التطور، من المتوقع أن تصبح النماذج اللغوية الكبيرة أكثر قدرة على التفاعل بشكل طبيعي مع البشر، مما يعزز من دورها في التطبيقات اليومية.
- الدمج مع تقنيات أخرى: قد شهدنا مؤخّراً وسنشهد المزيد مستقبلاً من دمج النماذج اللغوية الكبيرة مع تقنيات مثل الواقع الافتراضي VR والواقع المعزز AR لتوفير تجارب تفاعلية متكاملة.
الخلاصة
النماذج اللغوية الكبيرة تمثل تطورًا كبيرًا في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تجمع بين القدرة على فهم اللغة الطبيعية وتوليد النصوص بطرق مبتكرة وفعالة.
رغم التحديات الحالية، إلا أن المستقبل يبدو واعدًا مع توقعات بتحسين الكفاءة وتقليل التحيزات، مما سيزيد من اعتماد هذه النماذج في العديد من التطبيقات.
لاننسى أن النماذج اللغوية تعطي أداءً ونتائج بناء على البيانات التي تدرّبت عليها, لذلك علينا بناء نماذجنا الخاصة وتدريبها على لغتنا وثقافتنا بدلاً من استخدام نماذج تدرّبت على ثقافات الآخرين.