ربما يكون الذكاء الاصطناعي تقنية خارقة، ولكننا لا زلنا نتعامل معه من خلال لوحة المفاتيح، أو الحوار الصوتي، ولكن ماذا لو دمجناه داخل أدمغتنا؟
بالنظر للتقدم التقني الحاصل اليوم، سنلاحظ قفزة ملحوظة في تقنيتين قويتين وكلاهما لو تضافرتا فسيصبح للبشر دماغ خارقاً.
المحاور الرئيسية:
كيف بدأ الحلم؟
منذ العصور القديمة، كانت البشرية مهووسة بفكرة تعزيز العقل البشري.
قصص الخيال العلمي مثل “Upgrade 2018” و “Ghost in the Shell 1995/2017” ظهرت كيف يمكن للتكنولوجيا أن تتداخل مع العقل البشري.
ولكن الآن، بفضل تقدم الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية، هذا الخيال العلمي أصبح أقرب وأقرب إلى الحقيقة.
تكامل الدماغ مع الحاسوب بشريحة Neuralink
السرعة ثم السرعة، السرعة في التفكير، اتخاذ القرار، تحريك الأشياء أو انحراف الطائرة وتفادي الكارثة، كل شيء يجب أن يتم بسرعة ودقة أكبر.
لو تحقق ذلك سنقول إن الدماغ البشري بالفعل أصبح خارقاً.
هل يمكنك اجراء الاتصال الهاتفي وقراءة بيانات المبيعات وتحليلها أثناء المكالمة وأخذ القرارات الحاسمة وتنفيذها وإرسال البريد الإلكتروني، كله دفعة واحدة من خلال التفكير فقط؟ من خلال الدماغ فقط؟
لو أردت القيام بما سبق باليد ولوحة المفاتيح، ستكون الأمور بطيئة جداً، من خلال التفكير فقط وبسرعة الحواسيب وبدعم من الذكاء الاصطناعي، ستكون خارقاً وسريعاً، وهذا يحتاج ما نسميه تكامل الدماغ مع الحاسوب Brain-Computer Interface – BCI.
حتى نتعامل مع الحاسب بسرعة تعادل سرعة التفكير ستجد شريحة Neuralink قد صُنعت لهذا الغرض، فهي تقرأ الإشارات العصبية الدماغية وتفسّرها وتنقلها للحاسب لكي ينفذ ما نريده.
أي انت تريد فتح المجلد، تحريك الماوس، كتابة مقالة، او ربما تشغيل ولعب أحد الألعاب على الحاسب، هذا الأمر أصبح ممكناً من خلال شريحة Neuralink، وهذه مجرد البداية فقط.
تم تأسيس Neuralink من قبل إيلون ماسك لتطوير واجهات الدماغ – الحاسوب (Brain-Computer Interfaces – BCIs) أي ربط الدماغ مع الحاسوب.
تهدف Neuralink إلى تحسين التواصل المباشر بين الدماغ والآلة، وتطبيقاتها الرئيسية تشمل العلاجات الطبية لتحسين حياة الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عصبية مثل الشلل أو أمراض الدماغ، بالإضافة إلى استكشاف تحسين القدرات البشرية في المستقبل.
طالما الدماغ يعمل، فلا يهم باقي الأطراف، صار بالمكان نقل الإشارة من الدماغ إلى أي شيء تريده.

ما هي شريحة Neuralink تقنياً؟
ما نعرفه حتى اللحظة تتكون الشريحة من مكونين رئيسيين بالإضافة إلى روبوت الجراحة الذي يقوم بعملية الزرع على سطح الدماغ البشري.
1- الأقطاب العصبية الدقيقة Neural Threads:
تتكون هذه الأقطاب من خيوط رفيعة جدًا (أرفع من شعرة الإنسان) تُزرع في الدماغ.
كل خيط يحتوي على عدد من الأقطاب الدقيقة التي يمكنها تسجيل الإشارات العصبية من مناطق مختلفة في الدماغ.
هذه الأقطاب مصممة لتكون أقل تدخلاً وأقل إضرارًا من التقنيات السابقة في مجال واجهات الدماغ والحاسوب.
2- جهاز الربط Link:
جهاز صغير يشبه القرص يُثبت على سطح الجمجمة بعد زرع الأقطاب العصبية.
يعمل هذا الجهاز على معالجة الإشارات العصبية وإرسالها لاسلكيًا إلى جهاز خارجي، مثل الهاتف الذكي أو الكمبيوتر.
هذا الجهاز قادر على التعامل مع كمية كبيرة من الإشارات العصبية في الوقت الحقيقي وتحليلها بسرعة فائقة.
3- روبوت جراحي:
تم تطوير روبوت جراحي خاص لإجراء عملية زرع الأقطاب العصبية بدقة عالية. هذا الروبوت مصمم لتفادي الأوعية الدموية الدقيقة في الدماغ، مما يقلل من المخاطر المرتبطة بالعمليات الجراحية التقليدية.

هل يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي مع Neuralink؟
حالياً فالمهمة الأساسية لشريحة Neuralink هي ربط الدماغ مع الحاسب، وبالتالي يمكن ربط الدماغ مع الذكاء الاصطناعي بكل تأكيد, والهدف البعيد لشركة Neuralink في الأصل هي ربط الدماغ وتفاعله مع الذكاء الاصطناعي, أي دماغ خارق.
ولكن تشغيل الذكاء الاصطناعي بحد ذاته سيعني المعالجة الكبيرة والطاقة المستهلكة العالية، فنحن اليوم نستخدم ChatGPT مثلاً على حواسيبنا المرتبطة مع سيرفرات الشركة الام الضخمة.
وعليه لو أرد الدماغ أن يكون ذكياً كفاية من خلال الذكاء الاصطناعي، سيحتاج ليكون التشغيل أقل تكلفة واحتياجاً للطاقة، دون الحاجة للاتصال بالخوادم بشكل دائم.
السؤال هنا: كيف يمكننا تشغيل الذكاء الاصطناعي بشكل سلس وفعال وبدون استهلاك للطاقة والمعالجة العالية بالنسبة للمهام الأقل تعقيداً؟
معالج الشبكة العصبية للذكاء اصطناعي Akida Pico
أحدث معالج عصبي منخفض الطاقة (NPU) هو Akida Pico من شركة BrainChip، مصمم خصيصًا لتوفير معالجة ذكاء اصطناعي في بيئات الحوسبة على الحافة Edge AI.
معالج عصبي، أي أنه معالج يحاكي في بنيته البنية العصبية للدماغ البشري، والحوسبة على الحافة Edge تعني، أن المعالجة لا تتم بالخوادم الرئيسية، بل تتم على الحافة بالقرب من المستخدم، مثل معالج الهاتف، معالج الساعة الذكية وهلم جر.
يعتمد Akida Pico على معالجة الأحداث العصبية Event-Based Processing، وهي تقنية تهدف إلى تقليل استهلاك الطاقة مع توفير قدرة عالية على معالجة البيانات في الوقت الفعلي.
من خلال العمل على مستوى الحدث، يتم تشغيل النظام فقط عند حدوث أحداث محددة، مثل اكتشاف الحركة أو الصوت، مما يقلل من استهلاك الطاقة ويزيد من عمر البطارية في الأجهزة الصغيرة.
ونضيف نقطة مهمة جداً هنا، المعالج هو الشبكة العصبية بحد ذاتها بداخله، الشبكة العصبية ليست برنامجاً او كوداً، هي متمثلة ومتجسدة في المعالج، وهذا يوفر الحاجة للحوسبة والذواكر الكثيرة وبالتالي توفير الطاقة.
في الرسم التالي سنلاحظ الفرق بين نظام تقليدي ونظام من Akida ونلاحظ بوضوح الاختصار بوحدة المعالجة والذواكر وعمليات نقل البيانات وتفسيرها وهلم جر.

التطلعات المستقبلية في الدماغ الفائق
إذا نظرنا إلى السنوات القادمة، فإن الطريق إلى الدماغ البشري الخارق قد لا يكون مجرد خيال علمي، حيث أن الدماغ البشري لن يتعامل فقط مع العالم الخارجي عبر الحواس التقليدية، بل سيتفاعل معه مباشرة عبر التكنولوجيا.
كما أن كلا الشركتين، Neuralink وشركة Akida Pico أهدافاً معلنة ونبيلة وطبية وتفيد البشرية، ولكنها ليست متماشي مع ما نعرفه من الطمع المعروف عن شركات السليكون فالي بغض النظر عن دولة المنشأ.
دوماً تحوم الشبهات حولهما وحول الأهداف الحقيقة بعيدة المدى وخصوصاً، ولسنا هنا بصدد تقديم تقرير صحفي لان الامر مجهد جداً.
ولكننا تقنياً يمكننا وبشكل مجرد دمج التقنيتين لنحصل على الدماغ خارق.
دماغ قادر على الاتصال والتحكم بالخوادم والحواسيب المختلفة، ويمتلك شريحة داخلية ذات قدرات حوسبة قوية ويمكنها تحليل البيانات واخذ التوصيات دون الاتصال بالخوادم أو الشبكة.
الجانب الأخلاقي لتكنلوجيا الدماغ
التكنولوجيا التي تتعامل مع الدماغ البشري تتطلب عددًا كبيرًا من التجارب، بدءًا من حيوانات المختبر وصولًا إلى البشر.
هذه التجارب ليست سهلة أو بسيطة، وغالبًا ما تثير قضايا أخلاقية مهمة حول كيفية إدارة مثل هذه الأبحاث.
من المؤكد أن تطوير واجهات الدماغ والحاسوب يعد خطوة مذهلة نحو تحقيق “الدماغ الخارق”، ولكن ما الثمن؟
تخيل الحماس الكبير الذي يرافق نجاح مثل هذه الشرائح العصبية، وكيف ستفتح الأبواب لتطبيقات طبية وصناعية قد تغير الحياة كما نعرفها. ولكن، ما الذي يحدث خلف الكواليس للوصول إلى هذه الإنجازات؟
تجارب معقدة وشاقة على حيوانات المختبر هي نقطة البداية، وغالبًا ما تتبعها تجارب على البشر. هذا يطرح سؤالًا أخلاقيًا كبيرًا: هل تستحق التكنولوجيا هذه التضحيات؟
المعركة بين الأخلاق والجشع
تلك المعركة القديمة بين الأخلاق والجشع تظهر مرة أخرى في سياق هذه التطورات.
الشركات الكبرى التي تطور مثل هذه التقنيات تجد نفسها في مواجهة معضلة أخلاقية: الالتزام بالمبادئ الأخلاقية الصارمة قد يجعل المسار نحو النجاح بطيئًا، ولكنه أيضًا يحافظ على سلامة البشر والحيوانات المستخدمة في التجارب.
على الجانب الآخر، قد يرى البعض أن التعجل في تحقيق الإنجازات من أجل التفوق في السوق أو الاستفادة من المكاسب المادية الهائلة يتطلب التسريع، حتى لو كان ذلك يعني تجاوز بعض المبادئ الأخلاقية.
هل نحن بحاجة لتسريع التطور؟
إذا نظرنا إلى الأمر من منظور الإنسانية ككل، هل نحن في عجلة من أمرنا لتحقيق هذه القفزة التكنولوجية؟
على المستوى العالمي، قد لا نكون بحاجة إلى الإسراع، حيث يتطلب الأمر مزيدًا من البحث والتجارب لضمان أن التكنولوجيا آمنة ومستدامة.
ومع ذلك، على مستوى الدول والمنافسة الجيوسياسية، السرعة قد تكون ضرورية جدًا.
الشركات الكبرى قد تكون في سباق مع الزمن، ليس فقط لتأمين ريادتها في السوق، ولكن أيضًا لحماية مصالحها من التهديدات المحتملة من الدول المنافسة التي قد تستخدم هذه التقنيات لأغراض استراتيجية أو حتى عسكرية.
خلاصة والتوازن بين الأخلاق والتقدم
المعضلة هنا تتعلق بالتوازن بين التقدم السريع والالتزام بالقيم الأخلاقية.
نحن نعيش في عصر يسوده التنافس الشديد بين الشركات والدول، مما يجعل من الصعب أحيانًا الحفاظ على القيم الإنسانية.
ومع ذلك، يجب أن نتذكر أن التكنولوجيا العصبية لا تقتصر على كونها أداة تجارية أو استراتيجية، بل تمس الجوانب الأكثر حميمية من وجودنا كبشر، مثل العقل والوعي والقدرة على التحكم في أجسادنا. لذلك، من الضروري أن يتم هذا التطور بحذر ومسؤولية.

